فصل: تفسير الآيات (32- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (17- 22):

{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}
17- وأقسم لآتينهم من أمامهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن كل جهة استطيعها، ملتمساً كل غفلة منهم أو ضعف فيهم، لأصل إلى إغوائهم، حتى لا يكون أكثرهم مؤمنين بك، لعدم شكرهم لنعمتك.
18- فزاده الله نكاية وقال له: اخرج من دار كرامتى مذموماً بكبرك وعصيانك، وهالكاً في نهايتك، وأقسم أن من اتبعك من بنى آدم لأملأن جهنم منك ومنهم أجمعين.
19- ويا آدم اسكن أنت وزوجك دار كرامتى، وهى الجنة، وتنعما بما فيها، فكلا من أي طعام أردتما، إلا هذه الشجرة، فلا تقرباها حتى لا تكونا من الظالمين لأنفسهم بالعقاب المترتب على المخالفة.
20- فزين لهما الشيطان مخالفة أمر الله، ليزيل عنهما الملابس، فتنكشف عوراتهما، وقال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين، أو كراهة أن تكونا من الخالدين الذين لا ينقطع نعيمهم في هذه الدار.
21- وأقسم لهما أنه من الناصحين لهما، وكرر قسمه.
22- فساقهما إلى الأكل من الشجرة بهذه الخدعة، فلما ذاقا طعمها وانكشفت لهما عوراتهما، جعلا يجمعان بعض أوراق الشجر ليسترا بها عوراتهما وعاتبهما ربهما، ونبههما إلى خطئهما قائلاً: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأخبركما أن الشيطان لكما عدو مبين لا يريد لكما الخير؟

.تفسير الآيات (23- 27):

{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}
23- قال آدم وزوجته نادمين متضرعين: يا ربنا ظلمنا أنفسنا بمخالفة أمرك الذي استوجب زوال النعيم، وإن لم تغفر لنا مخالفتنا وترحمنا بفضلك لنكونن من الخاسرين.
24- قال الله لهما وللشيطان: اهبطوا جميعاً بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض استقرار وتمتع إلى حين انقضاء آجالكم.
25- في الأرض تولدون وتعيشون، وفيها تموتون وتدفنون، ومنها عند البعث تخرجون.
26- يا بنى آدم: قد أنعمنا عليكم، فخلقنا لكم ملابس تستر عوراتكم، ومواد تتزينون بها، ولكن الطاعة خير لباس يقيكم العذاب. تلك النعم من الآيات الدالة على قدرة الله وعلى رحمته، ليتذكر الناس بها عظمته واستحقاقه وحده الألوهية. وتلك القصة من سنن الله الكونية التي تبين جزاء مخالفة أمر الله، فيتذكر بها الناس ويحرصون على طاعة الله وعلى شكر نعمه.
27- يا بنى آدم، لا تستجيبوا للشيطان وإضلاله، فتخرجوا من هذه النعم التي لا تدوم إلا بالشكر والطاعة، كما استجاب أبواكم آدم وزوجه فأخرجهما الشيطان من النعيم والكرامة، ونزع عنهما لباسهما وأظهر لهما عوراتهما. إنه يأتيكم هو وأعوانه من حيث لا تشعرون بهم، ولا تحسون بأساليبهم ومكرهم، وليس للشيطان سلطان على المؤمنين، إنا جعلناه وأعوانه أولياء للذين لا يؤمنون إيماناً صادقاً يستلزم الطاعة التامة.

.تفسير الآيات (28- 31):

{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}
28- وإذا فعل المكذبون أمراً بالغ النكر- كالشرك، والطواف بالبيت عراة، وغيرهما- اعتذروا وقالوا: وجدنا آباءنا يسيرون على هذا المنهاج ونحن بهم مقتدون، والله أمرنا به ورضى عنه حيث أقرنا عليه، قل لهم يا أيها النبي منكراً عليهم افتراءهم: إن الله لا يأمر بهذه الأمور المنكرة، أتنسبون إلى الله ما لا تجدون له مستنداً ولا تعلمون عنه دليل صحة النسب إليه سبحانه؟
29- بَيِّن لهم ما أمر به الله وقل: أمر ربى بالعدل وما لا فحش فيه، وأمركم أن تخصوه بالعبادة في كل زمان ومكان، وأن تكونوا مخلصين له فيها، وكلكم بعد الموت راجعون إليه، وكما بدأ خلقكم بيسر وكنتم لا تملكون إذ ذاك شيئاً، ستعودون إليه بيسر تاركين ما حولكم من النعم وراء ظهوركم.
30- وسيكون الناس يوم القيامة فريقين: فريقاً وفَّقه الله لأنه اختار طريق الحق فآمن وعمل عملا صالحاً، وفريقاً حُكِمَ عليه بالضلالة؛ لأنه اختار طريق الباطل وهو الكفر والعصيان، وهؤلاء الضالون قد اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله فاتبعوهم، وهم يظنون أنهم مُوَفَّقون لاغترارهم بخداع الشياطين.
31- يا بنى آدم: خذوا زينتكم من اللباس المادى الذي يستر العورة، ومن اللباس الأدبى وهو التقوى، عند كل مكان للصلاة، وفى كل وقت تؤدون فيه العبادة، وتمتعوا بالأكل والشرب غير مسرفين في ذلك، فلا تتناولوا المحرم، ولا تتجاوزوا الحد المعقول من المتعة، إن الله لا يرضى عن المسرفين.

.تفسير الآيات (32- 35):

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}
32- قل لهم- يا محمد- منكراً عليهم افتراء التحليل والتحريم على الله: مَنْ الذي حرَّم زينة الله التي خلقها لعباده؟ ومن الذي حرم الحلال الطيب من الرزق؟ قل لهم: هذه الطيبات نعمة من الله ما كان ينبغى أن يتمتع بها إلا الذين آمنوا في الدنيا، لأنهم يؤدون حقها بالشكر والطاعة، ولكن رحمة الله الواسعة شملت الكافرين والمخالفين في الدنيا، وستكون هذه النعم خالصة يوم القيامة للمؤمنين، لا يشاركهم فيها غيرهم، ونحن نفصل الآيات الدالة على الأحكام على هذا المنوال الواضح، لقوم يدركون أن الله- وحده- مالك الملك بيده التحليل والتحريم.
33- قل يا محمد: إنما حرم ربى الأمور المتزايدة في القبح كالزنى، سواء منها ما يرتكب سراً وما يرتكب علانية، والمعصية أياً كان نوعها، والظلم الذي ليس له وجه من الحق، وحرَّم أن تشركوا به دون حُجة صحيحة، أو دليل قاطع، وأن تفتروا عليه سبحانه بالكذب في التحليل والتحريم وغيرهما.
34- ولكل أمة نهاية معلومة، لا يمكن لأية قوة أن تقدم هذه النهاية أو تؤخرها أية مدة مهما قلَّت.
35- يا بنى آدم: إن جاءتكم رسل من جنسكم الآدمى ليبلغوكم آياتى الموحى بها كنتم فريقين: فالذين يؤمنون ويعملون الصالحات مخلصين، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون في دنياهم أو أُخراهم.

.تفسير الآيات (36- 39):

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}
36- والذين يكذبون بالآيات ويستكبرون عن اتباعها والاهتداء بها، فأولئك أهل النار هم فيها معذبون، خالدون أبداً في العذاب.
37- فليس هناك أظلم من الذين يفترون الكذب على الله، بنسبة الشريك والولد إليه، وادِّعاء التحليل والتحريم وغيرهما من غير حُجة، أو يكذبون بآيات الله الموحى بها في كتبه الموجودة في كونه، أولئك ينالون في الدنيا نصيباً مما كتب الله لهم من الرزق أو الحياة أو العذاب، حتى إذا جاءتهم ملائكة الموت ليقبضوا أرواحهم، قالوا لهم موبخين: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله لتدرأ عنكم الموت؟ فيجيبون: تبرأوا منا، وتركونا وغابوا عنا، وشهدوا على أنفسهم مقرين بأنهم كانوا كافرين.
38- يقول الله يوم القيامة لهؤلاء الكافرين: ادخلوا النار في ضمن أمم من كفار الإنس والجن، قد مضت من قبلكم، كلما دخلت أمة النار لعنت الأمة التي كفرت مثلها والتى اتخذتها قدوة، حتى إذا تتابعوا فيها مجتمعين قال التابعون يذمُّون المتبوعين: ربنا هؤلاء أضلونا بتقليدنا لهم، بحكم تقدمهم علينا أو بحكم سلطانهم فينا، فصرفونا عن طريق الحق، فعاقبهم عقاباً مضاعفاً يحملون فيه جزاء عصيانهم وعصياننا، فيرد الله عليهم: لكل منكم عذاب مضاعف لا ينجو منه أحد من الفريقين، يضاعف عقاب التابعين لكفرهم وضلالهم، ولاقتدائهم بغيرهم دون تدبر وتفكر، ويضاعف عقاب المتبوعين لكفرهم وضلالهم وتكفيرهم غيرهم وإضلالهم، ولكن لا تعلمون مدى ما لكل منكم من العذاب.
39- وهنا يقول المتبوعون للتابعين: إنكم بانقيادكم لنا في الكفر والعصيان لا تفضلون علينا بما يخفف عنكم من العذاب، فيقول الله لهم جميعا: ذوقوا العذاب الذي استوجبتموه بما كنتم تقترفون من كفر وعصيان.

.تفسير الآيات (40- 43):

{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
40- إن الذين كذبوا بآياتنا المنزلة في الكتب الموجودة في الكون، واستكبروا عن الاهتداء بها ولم يتوبوا، ميئوس من قبول أعمالهم ورحمة الله بهم، ومن دخولهم الجنة، كما أن دخول الجمل في ثقب الإبرة ميئوس منه، وعلى هذا النحو من العقاب نعاقب المكذبين المستكبرين من كل أمة.
41- لهم في جهنم فراش من نار وأغطية من نار، وعلى هذا النحو فمن ظلم نفسه بالظلم والضلال يعاقب هذا العقاب.
42- والذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة التي لم نكلفهم إلا ما يطيقونه منها، أولئك هم أهل الجنة يتنعمون فيها، خالدين فيها أبداً.
43- وأخرجنا من قلوبهم ما كان فيها من غل، فهم في الجنة إخوان متحابون، تجرى من تحتهم الأنهار بمائها العذب، ويقولون- سرورا بما نالوا من النعيم- الحمد للَّه الذي دلَّنا على طريق هذا النعيم، ووفقنا إلى سلوكه، ولولا أن هدانا اللَّه إليه بإرسال الرسل وتوفيقه لنا، ما كان في استطاعتنا أن نوفق إلى الهداية. لقد جاءت رسل ربنا بالوحى الحق، وهنا يقول اللَّه لهم: إن هذه الجنة هبة من اللَّه، أعطيتمُوها فضلاً منى دون عوض منكم كالميراث، وهذا التكريم بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا.

.تفسير الآيات (44- 48):

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)}
44- ونادى أهل الجنة أهل النار قائلين: قد وجدنا ما وعدنا ربنا من الثواب حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم من العذاب حقا؟ فأجابوهم: نعم، فنادى مناد بين أهل الجنة وأهل النار: إن الحرمان أو الطرد من رحمة اللَّه جزاء الظالمين لأنفسهم بالكفر والضلال.
45- هؤلاء الظالمون هم الذين يمنعون الناس عن السير في طريق اللَّه الحق، وهو الإيمان والعمل الصالح، ويضعون العراقيل والشكوك حتى يبدو الطريق معوجاً للناس فلا يتبعوه، وهؤلاء كافرون بالدار الآخرة لا يخشون عقاب اللَّه.
46- وبين أهل الجنة وأهل النار حاجز يسبق إلى احتلال أعرافه- وهى أماكنه الرفيعة العالية- رجال من خيار المؤمنين وأفاضلهم، يشرفون منها على جميع الخلائق، ويعرفون كلا من السعداء والأشقياء بعلامات تدل عليهم من أثر الطاعة والعصيان، فينادون السعداء قبل دخولهم الجنة وهم يرجون دخولها، فيبشرونهم بالأمان والاطمئنان ودخول الجنة.
47- وإذا تحولت أبصار المؤمنين إلى جهة أصحاب النار بعد هذا النداء، قالوا من هول ما رأوا من نيران: ربنا لا تدخلنا مع هؤلاء الظالمين الذين ظلموا أنفسهم والحقّ والناس.
48- ونادى أهل الدرجات العالية في الجنة، من الأنبياء والصديقين. مَن كانوا يعرفونهم بأوصافهم من أهل النار، قائلين لهم لائمين: ما أفادكم جمعكم الكثير العدد ولا استكباركم على أهل الحق بسبب عصبيتكم وغناكم، وها أنتم أولاء ترون حالهم وحالكم.